الاستشارة الثانية
ما هو دور المنهج الدراسي في التعليم الفعّال لمادة العلوم؟ وما هي أهم معايير ذلك المنهج حسب الاتجاهات الجديدة في تعليم العلوم؟
البروفسور كارل وايمن
الفائز بجائزة الملك فيصل العالمية في العلوم وجائزة نوبل في الفيزياء
لقد أظهرت الدراسات الحديثة فعالية التعلم النشط في العلوم عندما يكون الطلاب مشاركين بنشاط في الفصل. من وجهة نظرك واعتماداً على البحث في تعليم العلوم، ما هو دور المنهج الدراسي في التعليم الفعّال لمادة العلوم، خصوصاً في المدارس الثانوية، وما هي أهم معايير ذلك المنهج حسب الاتجاهات الجديدة في تعليم العلوم؟
سأقوم بتعريف مفهوم "المنهج" ، للاستخدام في هذا المقال، بأنه مجموعة من المواضيع التي يتعلمها الطلاب. وبالرغم من أن المنهج هو عادة موضع الاهتمام الأساسي بالنسبة للمعلمين، إلاّ أن البحوث التي أجريت في تعليم العلوم تقدم مساهمات قليلة في هذا النقاش. وأنا أعلم عدد قليل جداً من البحوث التي تقدم مقارنات حذرة بين المناهج البديلة، غير أن ما رأيته لا يظهر اختلافاً كبيراً.
ونعلم الآن أنه عندما يكون هناك خبراء في مادة معينة، يستلزم هذا معرفة قدر كبير من المعلومات عن هذه المادة، كما نعلم أيضاً أنها تتضمن أكثر من مجرد الحفظ لأجزاء معينة من المعلومات. فهي تتضمن تطوير العقل بحيث يفكر بطرق جديدة تتضمن كيفية تنظيم وتطبيق المعلومة، والطريقة التي يتبعها الشخص في حل المسائل. طرق التفكير هذه مرتبطة أصلاً بمحتويات النظام، ولكن من المؤكد تقريباً أنها لا ترتبط بمحتوى معين. ولذلك، لتطوير الخبرات في الفيزياء، على سبيل المثال، على الشخص أن يتعلم العديد من المواضيع والمفاهيم الفيزيائية وحل المسائل التي تدعو إلى المعرفة التصورية للفيزياء ومهارات حل المسائل. ولكن، من المحتمل أن هذا التطور العقلي يمكن أن يتحقق مع التخلي عن الربع أو أكثر من المنهج النموذجي لمادة الفيزياء، طالما أن الشخص لم يحذف هذه المواضيع القليلة والتي ترتبط بجميع مجالات الفيزياء، كالمحافظة على الطاقة واستخدام التمثيل الرياضي للعلاقات الفيزيائية.
ولذلك، بالرغم من أن تعليم العلوم يقدم مجرد مقترحات غير مباشرة فقط بالنسبة لأهمية المنهج والكيفية التي يجب إتباعها لاختيار المنهج، إلاّ أنني سأعرض وجهات نظري الخاصة في هذا الشأن. طالما أن الطلاب لن يستخدموا أغلب المواضيع التي يغطونها بعد مغادرة المدرسة، وسيتوجب عليهم دراسة الكثير من المواضيع الجديدة، فالشيء الأكثر أهمية هو أياً كانت المواضيع التي يتعلمونها، المهم أن يتعلموها بشكل جيد وعميق، و أن يتعلموا كيف يتعلمون. ويعتبر هذا أكثر أهمية من دراسة عدد أكبر من المواضيع المختلفة. ومتى ما كان هناك خيار بين تغطية المزيد من المواضيع وتغطية مواضيع أقل بعمق كاف لإتقانها بشكل حقيقي، على المرء أن يختار دراسة مواضيع أقل وبعمق أكثر. وفي أي مكان تقريباً، المنهج يغطي مواضيع كثيرة جداً، وبالتالي فإن الطالب العادي لا يستطيع أن يحقق إتقان حقيقي. وينتهي به الأمر إلى مجرد معلومات سطحية حول الكثير من المواضيع، وهذا ليس بالأمر المفيد. فالمعلمون يريدون عادة إضافة مواضيع جديدة في العلوم بدون التخلص من المواضيع القديمة، وهذا يترتب عليه أثر سلبي جداً على التعليم. وأنا شخصياً أدرك تماماً أنه ليس بالضرورة أن تغطي جميع المواضيع في المنهج العادي لمادة العلوم، لأنه في حياتي الدراسية ، ولأسباب غير عادية، قمت بأخذ مجموعة فرعية من المقررات الدراسية في المنهج الجامعي العادي، وكانت هناك الكثير من المواضيع الفيزيائية التي لم أتعلمها. ولكن، المواضيع التي تعلمتها، تعلمتها جيدا، وقد تعلمت كيف أدرس مواضيع جديدة عندما أكون في حاجة إليها، وقد أفادني ذلك كثيراً.
وهناك عوامل أخرى يجب أن تؤخذ في الحسبان لاختيار منهج دراسي يكون أكثر تحفيزاً بالنسبة للطلاب، وبالتالي سيكونون أكثر رغبة في الاجتهاد أكثر، لأنهم كلما كان حماسهم أكثر ، كلما كانوا أكثر استعداداً لبذل الجهد المطلوب لتطوير القدرة على التفكير العلمي المشابه لتفكير الخبراء. وتحفيز الطلاب يعني عادة اختيار مواضيع وثيقة الصلة بموضوع الدراسة ذات معنى و فائدة واضحة. ومن الواضح أن الشخص لا يمكنه اختيار جميع المواضيع بتلك الطريقة، حيث أن هناك بعض المواضيع التي لا يدرك الطلاب قيمتها إلاّ بعد أن يتعلموها، ولكن هناك مواضيع هي في الأصل ممتعة ولابد أن يؤخذ هذا بعين الاعتبار.
وكما قلت، هناك القليل من المواضيع التي يمكن أن تتداخل مع جميع مجالات الفيزياء، كموضوع الطاقة وحفظ الطاقة. وسأبدأ بالتخطيط لمنهج بالاعتماد على تحديد هذه المواضيع، ثم التفكير في كيفية تقديمها في سياقات تكون ممتعة وذات معنى بالنسبة للطلاب. والاعتبارات الأخيرة ستحدد الكثير من المواضيع الفرعية التي يجب تغطيتها.
أ.د. كارل وايمن
الحائز على جائزة الملك فيصل للعلوم
وجائزة نوبل في الفيزياء